قصة سيدنا يونس عليه السلام.. نبي العراق

يعتبر سيدنا يونس من أحد الأنبياء المهدور حقهم في الذكر ومعرفة رسالتهم ودعوتهم، إلا أن النبي يونس كانت قصته كبيرة وعظيمة ومثال على الصبر والأمل الذي يأخذه الكثيرون في حياتهم، فما هي قصة يونس عليه السلام نبي الله، وكيف بدأت وانتهت.

سمي يونس بالعديد من الألقاب، فاسمه يونس وذا النون ويونان، أرسله الله تعالى إلى قوم نينوى بالعراق فكانوا يعبدون الأصنام ويشركون بالله، فراح يعظهم وينصحهم ويرشدهم إلى الخير ويذكرهم بيوم القيامة، ويخوفهم من النار ويحببهم في الجنة، ويأمرهم بالمعروف ويدعوهم إلى عبادة الله وحده، وظل على هذا الحال ينصح قومه فلم يؤمن منهم أحد.

نفاذ صبر سيدنا يونس

ولكن لم يكن ليونس طولة البال، فجاء يوم على يونس فأحس باليأس من قومه، وامتلأ قلبه بالغضب عليهم لأنهم لا يؤمنون، قال تعالى (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه) سورة الأنبياء87، فكان يونس غاضبًا من قومه، فذهب إلى شاطئ البحر وقرر أن يركب سفينة تنقله إلى مكان آخر ويتركهم، ولكن لم يكن الأمر الإلهي قد صدر له بأن يترك قومه أو ييأس منهم، وظن يونس أن الله لن يوقع عليه عقوبة لأنه ترك قومه.

غاب عن سيدنا يونس -عليه السلام- أن النبى مأمور بالدعوة إلى الله فقط، ولا عليه أن تنجح الدعوة أو لا، فما هو مكلف به أن يدعو لله ويترك مسألة النجاح أو عدمه لخالق الدعوة، ركب يونس السفينة فغلبه النوم من شدة التعب ولا يكاد يستسلم فيه للنعاس حتى يفيق فزعًا بلا سبب مفهوم.

انقلاب حال سيدنا يونس

ظلت السفينة هادئة في طريقها طوال النهار، وجاء الليل على السفينة، وانقلب البحر فجأة، فهبت عاصفة مخيفة كادت تحطم السفينة، وبدت الأمواج ترتفع وتهبط بشدة وتكتسح سطح المركب، ووراء السفينة كان حوت عظيم يشق المياه وهو يفتح فمه، صدرت الأوامر الإلهية إلى أحد الحيتان فى قاع البحر أن يتحرك إلى السطح، وأطاع الحوت الأمر الصادر إليه من الله وأسرع إلى سطح البحر.

بداية البلاء ليونس عليه السلام

وزادت الرياح قسوة، وهب سيدنا يونس -عليه السلام- فزعًا من نومه فرأى كل شىء فى السفينة يهتز، صعد على سطح السفينة، ولم يكد يراه القبطان حتى قال: سنجري القرعة على الركاب فمن خرج اسمه ألقيته في البحر، وكان عليه السلام يعرف أن هذا تقليد من تقاليد السفن عندما تواجه العواصف، وهو تقليد وثني غريب، ومن هنا تبدأ رحلة البلاء والأمل.

أجريت القرعة فخرج اسم يونس -عليه السلام-، وأعيدت القرعة ثلاث مرات فلم يخرج إلا اسم النبي الكريم في كل المرات، انتهى الأمر وتقرر أن يرمى يونس نفسه في البحر، أدرك يونس وهو يعتلى خشب السفينة أنه قد أخطأ حين ترك قومه غاضبًا وبغير إذن من الله، وظن أن الله لن يوقع عليه عقوبة وأنه على حق، والآن فإن الله سبحانه وتعالى يعاقبه.

وقف سيدنا يونس -عليه السلام- على حاجز السفينة ينظر إلى البحر الهائج والأمواج السوداء، كانت الدنيا ليلًا، والسماء خالية من وجود القمر والنجوم تختفى وراء الضباب الأسود، واشتدت العاصفة، خُيل لقبطان السفينة أن سيدنا يونس -عليه السلام- يتباطأ فى إلقاء نفسه، فنادى مساعديه وأمرهم أن يمسكوا يونس ويطرحونه في البحر، وسقط في البحر وأثناء سقوطه، وجد الحوت أمامه سيدنا يونس وهو يطفو على الموج، فالتقمه وهو مليم، وتلقف الحوت يونس من جوف الهياج الجامح وأغلق الحوت أنيابه عليه، ثم عاد إلى أعماق البحر.

صدمة يونس عليه السلام

فوجئ سيدنا يونس بنفسه فى بطن الحوت والحوت يجري به فى جوف البحر، والبحر يجرى به فى جوف الليل، تصور يونس أنه مات ، فحرك حواسه فوجد نفسه يتحرك، إذن هو حي لكنه سجين في مكان لا يعرف ماهو، بدأ يونس يبكي ويسبح لله وبدأت رحلة العودة إلى الله وهو سجين فى ظلمات الحوت، فتحرك قلبه بالتسبيح لله وتحرك بعدها لسانه وظل يرد (لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين) وتم اقتباس هذا الدعاء من قصة يوسف فيما بعد ليكون من أقيم الأدعية.

تعب الحوت من السباحة فرقد فى قاع البحر واستسلم للنوم وبالرغم من هذا استمر يونس فى تسبيحه لله لا يتوقف ولا يهدأ ولا ينقطع بكاؤه، وسمعت الأسماك والحيتان والنباتات وكل المخلوقات التى تعيش فى أعماق البحر صوت تسبيح يونس عليه السلام، فاجتمعت كل هذه المخلوقات حول الحوت وراحت تسبح الله هي الأخرى، كل واحد بطريقته ولغته الخاصة، ومكث يونس عليه السلام فى بطن الحوت زمنًا لا نعرف مقداره وظل طوال الوقت يقوم بتسبيح الله ويردد دعائه.

رضا الله على يونس

ورأى الله سبحانه وتعالى صدق يونس فى توبته فأصدر الله الأوامر إلى الحوت أن يخرج إلى سطح البحر ويقذف بيونس من جوفه عند جزيرة حددها الله للحوت، وبالفعل أطاع الحوت كلام الله، , وألقى جسد يونس عليه السلام الذي كان ملتهبًا بسبب الأحماض في معدة الحوت، وأشرقت الشمس فلسعت أشعتها جسده الملتهب فكاد يصرخ من الألم لولا أنه تماسك وعاد للتسبيح، فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين تقيه من أشعة الشمس، ثم شفاه الله تعالى وعفا عنه (فنبذناه بالعراء وهو سقيم – وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) الصافات 145، وأفهمه الله أنه لولا التسبيح لظل فى جوف الحوت إلى يوم القيامة (فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون) الصافات 144.

ومن هذه القصة، نتعلم ونستفيد أهمية الصبر والتحمل، وتوقع الأسوء ولكن هذا لا يعني أن نفقد الأمل أو نميل لنكران فضل الله عليه، ولكن دومًا نسبحه ونطلب منه أن يرزقنا طول البال والصبر وقوة التحمل، كما نتعلم أن التسبيح بنية خالصة هو سبب كبير في فك الكربات، وتحقيق الأمنيات، ومحو السيئات.

اضف تعليق