البيدوفيليا.. مريض يعاني وطفل في خطر
ياسمين الشيخ
البيدوفيليا تعني التحرش الجنسي بالأطفال أو الاعتداء الجنسي على الطفل (بالإنجليزية: Pedophilia) هو استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق، أو يكون بين قاصرين فارق العمر بينهما فوق الخمس سنوات، والسن الفاصل المعتبر لدى غالبية دول العالم هو 18 سنة، فكل شخص تحت سن الثامنة عشر يعد قاصر، ومافوق هذا يعد مراهق. ويشمل التحرش تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك جنسي. ويتضمن غالبًا التحرش الجنسي بالطفل من قبيل ملامسته أو حمله على ملامسة المُتحرش جنسيًا.
أسباب وعوامل خطر البيدوفيليا
لم تتضح بعد الأسباب التي تؤدي لاضطراب البيدوفيليا. فكل محاولات العثور على أسباب بيوكيميائية وهرمونية (Endocrinology)، باءت بالفشل. لكن اليوم، هناك بعض المعطيات التي قد تكفي لفرضية معينة تتعلق بالأسباب. المعطى الهام الذي وجد لدى مرضى البيدوفيليا، هو أن نسبة كبيرة منهم تعرضوا للاعتداءات الجنسية خلال مرحلة الطفولة (لدى أكثر من 50% منهم). إن هذا المعطى كبير جدًّا بالمقارنة مع مجموعة المراقبة، ومع مجموعة المغتصِبين ومجموعة الرجال الذين اعتدوا على سيدات مسنات. كذلك، هنالك معطى هام آخر يدل على الفرق الفيزيولوجي لدى المصابين بحب الأطفال، ألا وهو أنماط شاذة من الرغبة الجنسية، فقد كانت عتبة الاستثارة الجنسية عالية جدًّا، كما كانت هنالك أنماط شاذة من الاستثارة الجنسية تتعلق بالأساس بالأطفال.
تم الكشف مؤخرًا، عن وجود معطيات في تصوير الدماغ، تشير لوجود أنماط شاذة من النشاط الدماغي في المناطق المرتبطة بالشغف والإثارة الجنسية؛ وقد أدت هذه المعطيات لفرضية تقول إن تطور اضطراب البيدوفيليا هو نتيجة لإصابة جنسية مبكرة، تؤدي لنمو غير سليم في قشرة الدماغ، مما يخلق ارتفاعًا حادًّا بعتبة الاستثارة، كما يخلق أنماط تفضيل جنسي شاذة؛ لكن رغم أن هذه الفرضية تبدو مبشرة، إلا أنه ما زالت هنالك حاجة كبيرة للمزيد من الأبحاث لإثباتها. ستكون أهميتها الفعلية في العلاج وفي الوقاية من الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وبهذه الطريقة نقلل نسبة المصابين بالبيدوفيليا في الأجيال القادمة.
أعراض البيدوفيليا
هنالك العديد من الأعراض التي ترتبط بالبيدوفيليا ويجب تحديدها قبل أن يقرر الأطباء تشخيص أي فرد بإصابته بهذا الاضطراب أم لا ومنها:
- رغبات جنسية متكررة ومكثفة تحث الشخص على القيام بممارسات جنسية مع طفل قبل سن المراهقة (13 سنة أو أقل) لمدة ستة أشهر على الأقل.
- هذه الحالة غير المستقرة تؤدي لضعف أداء الشخص لمهامه أو القيام بمسؤوليات اجتماعية أو مهنية أو غيرها من جوانب الحياة.
- أن يكون عمر الشخص 16 سنة على الأقل والفارق بينه وبين الطفل المنجذب له لا يقل عن خمس سنوات.
- يجب أن يحدد ما إذا كان انجذاب الشخص للأطفال فقط أم لا، وما هو الجنس الذي ينجذب إليه، وهل دوافعه الجنسية تقتصر على الأطفال من الأقارب أم لا.
ولكن رغم وجود هذه المعايير فهناك صعوبات عدة في تشخيص البيدوفيليا، وتبعًا للمجلة الأمريكية المختصة (Psychology Today) فنادرًا ما يطلب الأشخاص الذين لديهم هذا الحالة المساعدة طوعيًا، لذا عادة ما يكون تقديم المشورة أو العلاج نتيجة لأمر من المحكمة، لكن يمكن أن تكون المقابلات أو المراقبة أو بيانات البحث على الإنترنت دليلًا مفيدًا في تشخيص البيدوفيليا، إضافة لكون الاستخدام المكثف للمواد الإباحية للأطفال مؤشر تشخيصي مفيد، كما يمكن قياس الاستثارة الجنسية التناسلية في بيئة مختبرية من خلال المحفزات الجنسية.
علاج البيدوفيليا
يعتبر علاج البيدوفيليا أمرًا صعبًا. فقد تمت تجربة طرق علاج كثيرة، بما فيها الكثير من العلاجات النفسية المختلفة والدوائية، لكنها للأسف، لم تكن ناجحة.
يضطر المجتمع للتعامل مع مرض البيدوفيليا من خلال أنظمة لتطبيق القانون والسجن، لكن حتى هذه الأساليب لم تنجح بعد، في الحد من هذا المرض. فنسبة المصابين بالبيدوفيليا الذين يعودون للاعتداء على الأطفال، بعد إطلاق سراحهم من السجن مرتفعة جدًّا.
إن العلاج الوحيد الذي ثبت نجاحه هو الإخصاء، لكنه مرفوض نظرًا لعدم إنسانيته؛ إضافة لبعض العلاجات التي تعمل على خفض مستويات الهرمونات الجنسية في الدم بطرق مختلفة. لقد سببت معظم هذه العلاجات، حدوث أعراض جانبية خطيرة. ولقد تم اكتساب خبرة كبيرة مؤخرًا، بطرق علاجية تتضمن حقن مواد تشبه أحد الهرمونات الموجودة في الجسم، والتي تساعد على خفض مستويات الهرمونات الجنسية في الدم. هذا العلاج، مصحوبًا بالعلاج النفسي، قد يثمر نتائج طيبة، إلا أن هنالك حاجة للاستمرار به طويلًا، لفترة قد تصل إلى عدة سنوات.
مؤشرات دالة على أن الطفل ربما تعرض إلى التحرش أو الاعتداء الجنسي:
- تقلبات غير مبررة بالمزاج.
- انطواءه وانسحابه بعد أن كان الطفل فعالًا ونشيطًا.
- إذا كان الطفل في الروضة أو المدرسة يبدأ بالتأخر الدراسي بشكل ملحوظ.
- أحلام مزعجة، واضطرابات في النوم والأكل.
- خوفه من التواجد مع أشخاص بالغين ورفضه لهم.
- ربما تظهر عليه بعض الممارسات الشاذة.
- يتجنب مخالطة الكبار بشكل خاص والصغار بشكل عام.
- آلام وأوجاع في منطقة الحوض والمناطق التناسلية وربما التهابات متكررة تظهر هذا الألم بشكل جلي عند الجلوس أو تغيير الوضعية.
- انسحاب اجتماعي وفقدان الثقة بالنفس وكراهيتها، بالتالي اللجوء إلى إيذاء الذات، بالإضافة إلى القلق والخوف الدائمين والتصرف بعدائية، وربما التسرب من المدرسة.
حيل المتحرش لجذب الطفل
يبدأ المتحرش في قضاء بعض الوقت مع الطفل يقوم بملاعبته وربما شراء الحلوى والهدايا له، ثم يقوم بلمس الطفل في أماكن خاصة أو ربما كشف تلك الأماكن، وربما ينتهي الأمر بالنهاية إلى اغتصاب الطفل.
في بعض الأحيان حين لا يستجيب الطفل للمداعبة والهدايا ربما يسلك مريض البيدوفيليا سلوكًا مغايرًا، الهدف منه أيضًا هو التحرش، وهو بأن يقوم بكسر نفس الطفل وتأنيبه أمام الآخرين إلى أن يجعله يقتنع بأنه شخص سيئ فيصبح تابعًا له ينفذ جميع أوامره.
للأسف إن الدراسات تشير إلي أن ما نسبته 75% من حالات التحرش بالأطفال تحدث من قبل مرضى بيدوفيليا مقربين سواء كانوا من داخل العائلة أو الجيران والمعارف، أو حتى السائق والمربية أو الخادمة.
عندما يكون المعتدي شخصًا مقربًا من العائلة، فإن المهمة تصبح أسهل بالنسبة له، فهو لا يحتاج إلى جعل الطفل يثق به، ولن يبذل جهدًا أيضًا في جعل الأهل يرتاحون له ويسمحون لطفلهم بقضاء وقت معه، وهنا يجب ان نوجه كلمة للآباء والأمهات وكل من هو مسؤول عن طفل، ابقوا أعينكم مفتوحة، لأن الغفلة في مثل هذه الأمور ثمنها غالٍ جدا.
عند اكتشاف الأمر من قبل الآباء لا بد من القيام بالتالي:
- احتواء الطفل وإخباره بأن ما حدث ليس ذنبه، وأن الجاني شخص سيئ وسينال عقابه.
- تقديم شكوى بحق الجاني واطلاع الطفل على تفاصيلها وإخباره بأن المجرم تمت محاكمته ومحاسبته.
- السماح للطفل بالتعبير عما جرى له بكل أريحية دون مقاطعته، ومحاولة ضبط الأهالي أعصابهم وإخباره بأنهم يصدقونه ويقفون الى جانبه.
- إذا كان الطفل دون سن الخامسة يُنْصح بإحضار دمية، والتمثيل بأنها تتحدث، وأنها تقص نفس القصة التي تعرض لها الطفل وتنهي الحديث بأن أبويها بجانبها، لأنها أخبرتهم بما حدث، وأن ما حدث ليس ذنبها وأن المجرم سينال عقابه.
- عرض الطفل على معالج “نفسي سلوكي” في حال بقي مضطربًا أو ظهرت عليه أعراض مثل: التبول اللاإرادي، وقضم الأظافر، القلق المستمر، التأخر الدراسي، العزلة، تغيرات الشهية والمزاج.
- لا بد من اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق الجاني حتى وإن كان من الأقارب، وذلك للمحافظة على صحة الطفل النفسية، وإن كان هذا الشخص من المقربين فمنعه من الاقتراب من الطفل مستقبلًا مهما كان الأمر، ولا بد أن نعلم بأن الشكوى بالإضافة، لكونها تحقق العدالة ومعاقبة الجاني، فهي أيضًا تمنعه من ممارسة فعلته مع طفل آخر.
كيف نقي أطفالنا من مرضي البيدوفيليا
تعليم الطفل مبدأ “جسدك هو ملكك” فلا يحق لأحد لمسك في أماكن خاصة وكشفها.
مراقبة الطفل دائمًا وأبدًا وعدم غيابه عن الأعين أو السماح له بالمبيت عند أحد لوحده.
بناء علاقة مع الطفل يسودها الود والثقة والصدق، حتى لا يخفي شيء يحدث معه عن والديه مهما كان بسيطًا.
تدريب الطفل على الركض بعيدًا عن أي شخص يحاول لمسه بطريقة سيئة وإزعاجه، بالإضافة إلي الصراخ بصوت عالي جدًا.
لقد وضع القانون عقوبات لمن يثبت أنه مريض بيدوفيليا يقوم بالتحرش بالأطفال سواء كانت العقوبة بالحبس أو دفع غرامة مالية “نتمنى أن تصل إلى حد أقصى من ذلك بكثير”، لكن للأسف ليس جميع مرضى البيدوفيليا يصلون إلى مرحلة المحاكمة، لأن ثقافة العيب لا تزال تحكم مجتمعاتنا، وتجعلنا نخشى الأقاويل والكلام حول تعرض أطفال لهذا الاعتداء، فيذهب بعض الأهل إلى السكوت وعدم اللجوء إلى القضاء، وفي ذلك ظلم عظيم للطفل المعتدى عليه، نتمنى أن يتحلى الأهل بالقوة ويتخذون إجراءات صارمة تؤدي إلى ردع ذلك المعتدي الأثيم، ونتمنى لو أن ذلك المتحرش ينال جزاء وعقابًا يستحقه.