العمل عبادة..والراحة ليست معصية
نوران مصطفى
الفراغ هو كابوس المجتهد، وجود عمل يقوم به الإنسان يكسبه احترام من حوله واحترام نفسه وإن لم يعي ذلك، فكل الحضارات قامت بناءً على ثقافة الشعوب نحو أهمية العمل، وأن صنع المجد والتخليد في التاريخ لن يأتي إلا بالعمل الدؤوب، وأيضًا الأديان السماوية حثت علىه وأثنت على المجتهد، وانتشر بين الناس أن العمل عبادة ولكن الافراط دون استراحة أذى، وقد يتسبب في أمراض نفسية وعضوية.
ثقافة العمل باستمرار
- الموت بسبب الإرهاق أو ظاهرة Karōshi وهي ظاهرة منتشرة في اليابان على وجه التحديد، بعد أزمة القنبلة النووية في اليابان والتدمير الشامل الذي حل على هيروشيما وناجازاكي.
- قرر الشعب الياباني أن ينهض بالبلاد لما رأوه من عزم وإصرار من سكان مدينة هيروشيما -على وجه التحديد- للنمو بالبلاد رافعين شعار “السعي الدؤوب” لإحلال السلام الدائم والحقيقي.
- بعد فترة التعافي من الأزمة التي دامت حوالي 11 سنة حققت اليابان نموًا مذهلًا واعتبرها العالم معجزة في عالم الإقتصاد، وكان ذلك نتيجة للعمل المستمر تحت ظروف عصيبة في بلد منهار.
- على الرغم من انتهاء الأزمة إلا أن سكان اليابان حتى هذه اللحظة هم النموذج المثالي للتفاني في العمل، وفقًا لوزارة الصحة والعمل والرفاهية فإن حوالي %25 من الشركات اليابانية لديها موظفون تجاوزوا 80 ساعة عمل إضافية في شهرٍ واحدٍ دون الحاجة لمال إضافي أو لإنجاز عمل لم ينتهوا منه بعد لكنهم يعملون من أجل العمل نفسه.
- حتى أن قانون العمل الذي تم إصداره عام 2019 لتقليل تلك ثقافة المفرط تلك ورفع شعار “لا للعمل حتى الموت”، لكن دون جدوى فمازالت أعداد المنتحرين في اليابان مرتفعة بسبب العمل.
- وقد تفشى الأمر في بلدان كثيرة حولها، فشعوب دول شرق آسيا جميعها لديها ثقافة مشابهة بتفاوت نسبة المقتنعين بها، والأمر طال كل البلدان و ليس اليابان فقط فالعالم العربي أيضًا به مصابون بافراط العمل.
أزمات صحية ناتجة عن ثقافة العمل الخاطئة
مما لا شك فيه أن ثقافة العمل أكثر من اللازم مؤذية لكن إلى أي مدى، في السنوات الماضية كان الخوف المنتشر بين فئة الشباب من الخريجين هو عدم إيجاد وظيفة، والآن وبعد تفشي وباء كورونا المستجد أصبح الخوف من فقد الوظيفة بين عشيةٍ وضحاها لأي سببٍ كان، وفي بلدنا العربي تحول سبب التوتر والضغط من العمل إلى ضغط وتوتر بسبب احتمالية فقد عملهم، حيث أكد متخصصون أن حوالي %20 من المرضى النفسيين يعانون من الاكتئاب بسبب بيئة العمل والشعور المستمر بأنهم مقصرون فيمتنعون عن الاجازات، ويتطور الأمر مع معظمهم ويصل لحد البكاء بصوتٍ عالٍ والمعاناة من الأمراض الجسدية.
الراحة ليست معصية
التفاني في العمل شيء رائع ويبني شخصية قوية قادرة على تحمل المسؤولية، لكن إن لنفسك عليك حق، فبعد وقت العمل يجب راحة، وقت لمكافأة النفس على اجتهادها، قدّر تعبك واستمتع بأجازتك.