عم محمود.. قصة قزم قهر المستحيل وأصبح “فنان”
منة الله هاني
يرمقهم المارة بنظرات قاسية، يتفحصونهم من أصابع أقدامهم مرور بجسدها غير المتناسق، نهاية برؤوسهم التي تحتضن عيونهم المحفورة حدقاتها في جبهاتهم، الأقزام في مصر، حالات نادرة، لكنها قادرة على التواصل والحياة رغم ما تواجهه من صعوبات، فهى كغيرها من الفئات الاستثنائية تعاني من حيث ثقافة المجتمع، لكن لقدراتهم التى قد تبدو ضعيفة، إلا أنها تظهر خارقة فى بعض الأحيان.
“عم محمود” فضل السعي وراء حلمه وعدم الانجراف وراء كلمات السخرية والإحباط من قدرته في التمثيل حتى وصل إلى حلمه في القاهرة بعد ما قطع المسافات الطويلة من قريته بمدينة أسوان.
“حلمي أكون ممثل مشهور” بهذه الكلمات أعرب “عم محمود” عن أبرز أحلامه، والذي من أجله قرر السفر إلى القاهرة، خاصة وأن أسوان لا توجد بها الفرص لدعم مثل هذه الموهبة بمجال التمثيل سواء الذهاب إلى قصر الثقافة، والمشاركة في العروض المسرحية فقط، بما يساعده من الهروب من نظرات أهل بلدته بجانب رفض الوالدين فكرة تحمل ابنهم “مشقة الغربة” وأنه ستفشل محاولته في التمثيل من وجهة نظرهم، حتى وفروا له فرصة عمل في أسوان بدل من الذهاب للقاهرة، ولكنه ظل مصمما على حلمه وإيمانه الكامل بأن التمثيل رسالة وعليه أدائها.
وبعد محاولات عديدة من جانب “عم محمود”، صاحب الـ 38 عاماً، وافق والديه على خوض تجربة التمثيل في القاهرة برفقة ابن خالته، المحب للتمثيل هو الأخر، وبدأ رحلته بالتقديم داخل معهد الفنون المسرحية عام 2006، ولكن الرد كان بكلمة “مرفوض”، ورغم عن ذلك قابل “عم محمود” داخل المعهد أولى الشخصيات التي ساعدته في مشواره الفني وهو الممثل الكوميدي فاروق نجيب وعمل معه في مسرحية الدنيا رواية هزلية وحققت نجاحا كبيرا.
لم تتوقف الصعوبات مع “عم محمود” على حد كلمات السخرية من أهل قريته، ولكن أحد المخرجين حاول استغلال هيئته من أجل السخرية، والمرح على حساب كرامته، ولكنه رفض كل هذه الأدوار، هذا إلى جانب ضرورة التغلب على رهبة الوقوف أمام الجماهير على خشبة المسرح، خاصة وأن البعض منهم تلفظ بألفاظ خارجة في محاولة لإثارة استفزازه والفشل، ولكن تعامل مع كل هذه العقبات بالتجاهل التام.
كل هذا جعل منه مشهورا ومختلف عن الآخرين بتمتعه بخفة الدم، الغالبة على أهل أسوان، وحالة المرح التي يجلبها على المشاهدين لأدواره المسرحية، ومن أهم المسرحيات التي شارك بها هى مسرحية “يا ماما بيضة” والتي ضمت ممثلين كبار مثل هدى عمار، وعلى الحجار وكان له مشاهد في بعض المقاطع الغنائية مثل الأغنية الشعبية “البلد دي فيها حكومة”،ويعد فيلم “علقة موت”من أهم الأفلام التي تم ترشيحه لها من قبل أحد المخرجين وحققت نجاحا كبيرا، وترشح لأفلام أخرى منها أخر كلام والذي ضم ممثلين كبار منهم حسن حسني.
وكان من أبرز أعماله الرمضانية مسلسليكو والتي ظهر في مشاهد كثيرة منه مع الممثل الشهير محمد هنيدي، ومسلسل بث مباشر مع الفنان الراحل طلعت زكريا، ومسلسل ونوس مع يحيى الفخراني، ومسلسل ألف ليلة وليلة.
أما حاليا فهو ممثل بمسرح البالون ويشارك في مسرحية جديدة ستعرض قريبا، أما الأهل فتحولت نظراتهم من السخرية إلى الإشادة والشعور الدائم بالفخر، بعد ما نجح في إثبات أنه مهما كانت الظروف التي نمر بها، فهناك أسلحة مهمة كفيلة بتحقيق أحلامنا ممثلة في كلمتي الإرادة والعزيمة.