“الساكت” من تصوير الورق إلى الإخراج والتصوير



سلمى جمال


دائمًا ما نجد أن هؤلاء الذين سطعوا في سماء التميز قد لعب التحدي على أوتارِ حياتهم، فصنع منهم مبدعينَ في مختلفِ المجالات، وكأنه السمة الملازمة لكل ناجحٍ نتفاخر به.


ولأن النجاح لم يقتصر على من ذكرهم التاريخ؛ بل أيضًا على من جعلوا حلمهم يُضفي على الحياة أملًا وإثارةً كمثل عصام الساكت طالب كلية الإعلام الفرقة الأولى، الذي رفض كلية هندسة ليُحقق حلمًا كثيرًا ما كان يُلاحقه.


الساكت الذي تحدثت موهبته منذ طفولته، فخرجت لنا في الأشهر الأولى من دخوله الكلية، حيثُ أخرج عددًا من الفيديوهات في موضوعاتٍ خاصة بالمواد الدراسية، منها حملة “احترموهم”،  تلك الحملة التي لفتت إليها أنظار الكثيرين حتى كتبت عنها إحدي المواقع الإخبارية الشهيرة، وتواصلت معه قناتان فضائيتان، كما نال الراديو نصيبه من خلال إحدى برامجه.


فبات الطالب الذي يُنظر إليه بحاملِ شعلة الدفعة التي صدمته بحفظها القوي، فشعر وكأنه في مكانٍ آخر غير الذي توقعه، فأعقب ذلك بسكوتٍ وكأنه الهدوء الذي سبق عاصفة موهبته التي أقر بها الأساتذة.


حينما تنظر إليه تجده شاب بسيط تملأ الضحكة وجهه، إلا إنك حينما تُصبح على مقرُبةٍ منه وما مر به تعرف جيدًا إن تلك الابتسامة قد قطعت أشواطًا من الجد والإصرار لتخرج لنا بهذه الصورة.


طفولةٌ ولكن 

في الوقت الذي يُفترض أن ترى فيه الطفل يلهو بين أقرانه، تجده يمحي اعتقاد أن العمر وحده من سيمنحني الضوء الأخضر لأنطلق.


فبدأ الأمر معه بالتصوير بكاميرا تليفون ليس بحديثٍ، هكذا كانت بداية طريقه، ثم إذا به يمر بمشكلاتٍ عائلية تحمل معها جزءًا من طفولته، صاحبتها مشكلات اقتصادية دفعته للعمل بمحل تصوير ورق وطباعة لعدة ساعات طويلة، بعدما حقق مركز ثالث في ألعاب القوى على مستوى الجمهورية، وبدلًا من أن يُكمل رحلته الرياضية كان عليه أن يجعل تلك الميدالية آخر ما سيحصده، لكي يتفرغ للعمل مع الورق.


تخيل كم أن الحياة قد تتحداك لتقف أمام ما حققته، وكأنها تعلم قدرتك على مواجهتها حقًا، لتُخرج منك ما يثبت إلى أي مدى يستطيع الإنسان أن يصل.


كما إنه كان مهتم بشأن الكشافة فقد أكسبته مهارات عدة كالثقة بالنفس وتحمل المسئولية، وكأنها تعده إلى الحياة وتحدياتها بأوسع معانيها وهو لا يزال طفلًا، مما جعله يعمل بإحدى الحضانات كمدرب كشافة وهو في الصف الأول الثانوي، فاقترح عليهم تنظيم بعض الأمور الإعلانية كصفحة الفيس بوك وغيرها من الأمور، وفي تلك الأثناء عمل حرًا لفترة من الزمن.


ولأنه طفلٌ بالغٌ لم يشكِ ظروفه البائسة؛ بل تعلم أسس التصميم والمونتاج والتصوير، وأتقن عددًا من البرامج، وهو في منزله دون الذهاب لأية دوراتٍ تدريبية.
وبعد مرور 3 سنوات من تصويره لأحد الفيديوهات بكاميرا تليفونه البسيط، عاد ليُصور مثله بكاميرا اشتراها.
لم يُرهق نفسه بالتفكير بأنه غير قادرٍ بل بدأ بما في يديه حتى رُزق بكاميرا، وعلى الرغم من عدم حداثتها أيضًا، إلا أن أغلب فيديوهاته التي تبهرك تجدها قد خرجت من تلك العدسة.  


ودفع به أخوه إلي العمل لدي أحد النوادي مصممًا لهم إعلانًا تشجيعًا له.


ثم إذا به يبدأ العمل في ما وجد قلبه، أعمال بسيطة.. منها الذي لم يكتمل والذي لم يُحقق ما توقعه من النجاح، والذي أثبت له موهبته. 


كما إنه مغرمًا باليوتيوب، فأنشأ قناته الخاصة، ولكنه لم يُوفق بها بالشكل الكافي.


أكثر المواقف صعوبة

“ما مرّت به جعلني أشعر بحيادية تجاه ما أمر وسأمر به، إن الوضع لن يُصبح أكثر سوءًا مما عايشته واختلط بي حتى أصبح جزءًا مني”.
ما كان يؤلمه حقًا سوء تعامل بعض ممن عمل لديهم، على الرغم من إنه لم يكن يتضجر من العمل بدون مقابل.
كما إنه التقى بهؤلاء الذين رسموا له طريقًا وهميًا من الشهرة، ثم إذا بهم يتركونه كما ذهب إليهم.


وعن الجملة السيئة التي لن ينساها فهو لم يذكر شيء سمعه وأساء إليه، وكأن الحياة قد اختارت أن يظل دائما مشغولًا حتي عما قد يؤلمه، ولكن ما يذكره حقًا هو ذاك التشجيع الذي يبديه من حوله، وكلماتهم التي تُوحي بأن ما يفعله يفوق سنه.


كما عُرف بخلقه وتواضعه، ومساعدة الكثير من الطلبة على إظهار مواهبهم أو تعليمهم ما يعرفه.


ويُشيد بأمه التي تعاونه وتدعمه دائمًا، ولم تعترض على دخوله كلية الإعلام، التي لم يكن يسمع عنها من قبل، والتي صدمته حينما وجد المواد الأدبية تحتل مدرجاتها.


مثلٌ أعلى …حلمٌ …كلمةٌ

القدوة هي الشعلة التي تجعل من غيرها خليفة لها، فاختار الساكت أن يكون خليفة مخرج الإعلانات الكبير (علي علي)، و أما عن حلمه الأكبر فهو أن يصبح مالكًا لشركة إنتاج كبيرة لها اسم معروف، تُقدم كل ما هو مبهج و بسيط.
وبلغ شغفه بذلك أن أنشأ قناة يوتيوب غير تلك التي أنشأها أول مرة، وأسماها باسم شركته المستقبلية، وكأنه موقنٌ بأنه سيحقق حلمه علي أرض الواقع يومًا ما.


 ولأنه يحب ما يعمله فقد يشاهده عدة مرات دون الملل؛ بل أنه قد يحلم في منامه بأن هذا الفيديو أو ذاك قد حقق نجاحًا باهرًا.
ووجه كلمته لمن هم في نفس سنه بألا يقارنوا أنفسهم بغيرهم، وأن يسعوا وراء ما يجعل قلوبهم تنبض بالحياة، مع أهمية خوض تجارب عدة دون الخوف من الهزيمة والفشل. 


كان يمكن لشاب في مثل سنه أن يكتفي بدراسته فقط، ويقضي الإجازة كما يقضيها الكثير، إلا أنه علّم نفسه وعمل في أكثر من مكان بمقابل وبدون مقابل، والتقي بالعديد وخسر بعض الناس، وكاد أن يرسب في بعض مواد الكلية، ومر بمشكلاتٍ أسرية مريرة، ومع ذلك أصر على إثبات وجوده.
كل ذلك جعل عمره مجرد رقمٍ لا يُنظر له أمام ما خاضه من تجارب، لذلك كان حقٌ على الحياة أن تنصره وتجعله نموذجًا ملهمًا للكثير.


حتمًا ستملأ الحياة نفسك بالخربشات؛ لتجعل منك لوحةً في معرض الإلهام، فينظر لك المارة بعظمة وتمنٍ، ليُدركوا أن ذلك الجمال لم يأتي إلا بالتحدي والإصرار.



قد يعجبك ايضا
اضف تعليق