المساكنة.. ارتباطٌ مجاني حر أم تحدي للمجتمعات والأديان؟
سلمى جمال
يفرض التقدم المعرفي والتكنولوجي علينا عدة أمور لا تتعلق فقط بالتقدم العلمي، بل إنها تمتد لتشمل العلاقات، ولاسيما العلاقات العاطفية التي باتت في نظر العديد أمرٌ شخصي وفي إطار الحرية ومعناها الأفلاطوني الواسع.
بل إنها في نظر الآخرين لا تتم إلا من خلال ضوابط مُتعارف عليها ومتفق على ماهيتها في ظل الأديان، وما عدا ذلك لا يُعد سوى تجاوزٍ للعادات والتقاليد مع سبق الإصرار والترصد.
وما بين هذا وذاك لا يمكن إنكار أن مجتمعاتنا الشرقية وإن كانت دينية ومحافظة، إلا إنها في مواجهة شرسة لأمورٍ تُخالف قواعدها كالزواج العرفي وزواج الميسار، وحديثًا المساكنة التي تطفو على السطح، وبخاصة في لبنان وسوريا.
فكيف لذلك المجتمع الذي يمتلأ بالأماكن المقدسة أن تتفشي فيه الكثير من الأمور التي لا تليق بقدسيته؟ أهذا يعبر عن الكبت الجنسي لدي الشباب أم إن قواعد المجتمعات لم تعد تُلائم حاجتهم؟
ما هي المساكنة؟
هي ارتباط إرادي بين رجل وامرأة تحت سقف واحد بعيدًا عن إطار الزواج الرسمي و العرفي.
والمساكنة أنواع:
-الجزئية وهي التي تضمن العلاقة العاطفية فقط دون الجنسية.
-الكاملة تتضمن العلاقة الجنسية والعاطفية.
-المساكنة التي تتم بين الطرفين دون علاقة عاطفية أو جنسية، من أجل مشاركة السكن فقط.
ولا توجد دراساتٌ واضحة ومؤكدة حول نسبة المساكنة في الوطن العربي، إلا إن كثيرًا من الكُتاب يجزمون بارتفاع نسبتها؛ ولكن لا يتم الإفصاح عنها حتى لا تهتز قيم المجتمع، إلا أن تجاهل الظاهرة لا يخلق سوى انتشارها وإن كان سرًا.
يري علماء الاجتماع أن العلاقات الحديثة بين الشباب تفرض تعدد أشكال العلاقات العاطفية، وعدم حصرها في إطار الزواج.
ما السر المتخفي وراء المساكنة؟
تختلف أسبابها باختلاف أنظارها، أي أن من يمارسونها يرون أنها وسيلة لاختبار الشريك، فيتسنى لهم معرفة المساوئ والإيجابيات بدلًا من الدخول مباشرةً لعش الزوجية، ليكشف لهم في نهاية الأمر كم أنهم مخطئون، ووجوب انتهاء هذه العلاقة.
فمؤيدي المساكنة يرون الزواج حالةً نفسية واتفاقًا وديًا بين الطرفين لا يتطلب دائمًا توثيق ورقي.
ويراها البعض أنها خليفة العولمة التي صدرت لنا من الثقافات التي لا تلائم مجتمعاتنا، فباتت المساكنة رغبةً لابد من إشباعها بعد كثرة التعرض للأفلام الغربية التي تسمح بذلك بدون قيودٍ.
كما أن المساكنة تُعد سبيل سهل لإقامة علاقة جنسية والتي يتطلب مشروعيتها تكاليف كثيرة هم في غنى عنها، فهي بالتالي تفريغ للشهوات بطرق لا مشروعية.
لا يمكن إغفال أن الهروب من المسئولية التي تتواجد في الارتباط الشرعي من الأمور التي تجذب الشباب إلى تلك الظاهرة.
موقف الأديان والقانون
المساكنة هي زنا في نظر الأديان، فالمسيحة والإسلام لا يعترفان بأحقية هذه الظاهرة، فالزواج هو عقد شرعي وعهد بين طرفين.
لا يوجد حتي الآن قانون يُجرم المساكنة، وحينما تُطبق عقوبات علي ممارسيها فتتم في إطار الدعارة.
إلا إن هناك دعوات في الفترة الأخيرة لوجود قانون منظم ورادع للمساكنة.
نحن نحيا في عالم يُبهرنا دائمًا بمستجداته العلمية والتكنولوجية، إلا إنه قد يخذلنا ويُصيبنا بالنكسة عندما يتعلق الأمر بحياتنا وما تحمله من علاقات بات علينا أن نضع لها ألف حسابٍ؛ كي لا تضيع حقوقنا هباءًا.