انتبه لما بين يديك وفي بيتك



سلمى جمال 


إننا لا نحيا حياتنا بل يحياها لنا التلفاز، الذي نقل مسرح الحياة لشاشته، فبات منفذًا طبيعيًا لتصريف الكثير من الانفعالات المُقيدة في سجن النفس؛ بل إنه تَفوق ليجعلنا نرى حياةً مليئة بالصراع، ثم إذ بنا نتفاعل ونتعاطى معها، ومن هنا يتحتم علينا لمس أثاره السلبية التي خدشت حياتنا ولا زالت تضع بصمتها.


تتلون آثار التلفاز وتتعدد ما بين أمراض نفسجسمية تطرق أجسادنا في أي لحظة، وما بين عنفٍ لا يُمكن نزع ألمه،  ووهم يدفعنا لارتكاب ما لا يليق بإنسانيتنا.

أمراض نفسجسمية



هي أمراض تنطلق من عوامل نفسية، ثم تخرج لنا في هيئة أمراضٍ جسدية كارتفاع ضغط الدم، السكر، الربو، وأمراض متعلقة بالقلب، حيثُ تجد هذه الأمراض ملجأها في تحدي الإنسان من خلال الانفعالات النفسية التي باتت  تقتحمنا بشكلٍ مباشرٍ وغيرِ مباشرٍ من خلال التلفاز، فإذ بها تتدخل شيئًا فشيئًا لتُعجل بحدوث مرضٍ، أو تزيد من خطورة مرضٍ أو تمد فترة الإصابة به.


بينَ لنا كثيرٌ من العلماء أن الانفعالات هي سبب الكثير من الأمراض التي يتأوه بفضلها الكثيرون، لترفع لنا شعار”إننا بحاجة لضبط انفعالاتنا”. 


وقد ساهم التليفزيون في تشكيل انفعالات عدة بداخلنا  والتي تتبلور في النهاية في شكل مرض جسدي.

العنف والوهم

عرض باحثون على 14 ممرضًا من العاملين في إحدى المستشفيات مشاهدًا من فيلم ملئ بالعنف، وعرضوا على مجموعة أخرى فيلمًا محايد، وبعد انتهاء الفيلمين جاءت النتائج لتثبت أن فيلم العنف يزيد من درجة العدوانية.


حذر أحد أساتذة الطب النفسي من أن التليفزيون يقوم بتخويف مشاهديه، وجعلهم يعيشون في رعب من حادث ما أو مرض كالسرطان، فيؤدي بهم إلى حالة من الوهم المرضي الذي هو أبشع من حدوث هذا الحادث أو المرض في الحقيقة.


ولم يقتصر الأمر علي ذلك فقط، ففي بحثٍ تم إجرائه عام 1980م أوضح أن التليفزيون يُقلل من الثقة بين الأفراد.


والأمر أصبح مفزعًا فيما يتعلق بالمبارايات الرياضية، حيثُ نشرت جريدة “جارديان” البريطانية جريمةَ قتل شخص لصديقته التي كان يحبها، فقط لأنها أغلقت التليفزيون وهو يُشاهد المباراة.


و بعد انتهاء مباراة كرة القدم في بطولة كأس أمم أفريقية عام 1984م أُصيب عدد من المشاهدين بهبوط في القلب وانهيار عصبي وإغماء.
فالمباريات تحمل انفعالاتٍ تشتد بزيادة عدد المتابعين، أي يُصبح الانفعال أقوى في حال وجود متابعين كثر للمباراة.

الأطفال في الفخ



 هذا فيما يخص الكبار ولكن ماذا عن هؤلاء الأطفال الذين نطمح أن يكونوا في أفضل حال؟  أنرضى أن تعج حياتهم تلك الآفات والانفعالات بل وهذا العنف بأكمله؟


فأفلام العنف والمغامرة تُرعب الأطفال وتُسبب لهم التبول في الفراش، وتظل الكوابيس تُلاحقهم أثناء النوم، بالاضافة إلي عدد كبير من الأمراض النفسية التي تنتهي في النهاية بمرضٍ جسدي يخبرك بأن هناك ثمة خلل في الداخل.


فالعنف يُحرك بداخل الأطفال والمراهقين الميل للجريمة وحب الانتقام، ووضح أحد الباحثين أنه إذا كان الانحراف قد وجد قبل التليفزيون، فهو لم يكن منتشرًا إلى هذا الحد إلا بعد ظهور التليفزيون.


هناك نوعان للعنف التليفزيوني: عنف طبيعي قد يظهر لدى الكثيرين في حياتهم اليومية، وعنف معقد يُرسخ الانفعالات والاضطرابات النفسية المفجعة؛ فالتعرض لها بكثرة يُسهم في قبول المشاهدين لوجود درجة عالية من العنف، كأنه شيء طبيعي بل ورؤية العنف ذاته أنه قادرعلى حل المشكلات.


ورغم تعدد الدراسات التي تؤكد هذا العنف إلا إن في مؤتمر اليونسكو عن عنف وسائل الإعلام، أوضح أحد باحثي علم الاجتماع، بعد عرضه لنتائج بحثٍ قام به أن مشاهد العنف قد تعتبر وسائل تطهيرية للنفس أو محفزة للعنف، وهذا يرجع إلى الظروف التي تختلف من شخص لآخر.


لذا فبالتأكيد أن التليفزيون قد ساهم في توسع رؤيتنا للحياة؛ بل ومعايشتها بشكل أفضل وأكثر مرونة، إلا أنه قد يُنهي حياتنا بضغطة زرٍ واحدة، وبدون أي إنذار ليخبرنا أننا بحاجة لنعي ما هو ملائم لنا وما عداه.


قد يعجبك ايضا
اضف تعليق