من عنترة إلى دودو.. الحب بين الماضي والآن
هدير أحمد
ما أسرع مرور الأيام وما أسرع تغير كل شيئًا معها فالعالم بأكمله يتطور ويتغير من حولنا، وللعلاقات العاطفية أيضًا نصيب من هذا التطور والتغير، فقد شهد الحب تغيير كامل وشامل في مفهومه وأساليب التعبير عنه.
ففي الماضي، كان المحب يقضي ساعات كثيرة ليكتب قصيدة لحبيبته وينتظر ليالٍ طوال كي يراها صدفة وكان يغلب على الحب مشاعر الاشتياق الشديد فلم تكن فكرة الحديث يوميًا متاحة وكان اللقاء يزيد من دقات القلب لأنه لم يكن يحدث كثيرًا، كما كان الحبيب على أتم استعداد ليضحي بنفسه من أجل حبيبته وكان الحب يتجاوز حدود المكان والظروف.
فهل رأيتم كيف عانى عنترة للوصول إلى حبيبته عبلة التي كانت سيدته؟ هل أتاكم حديثه حين كان يذكرها وهو داخل ساحة المعركة؟
هل رأيتم كيف كان جميل ينتظر الصدفة ليرى بثينة وعندما يحدث ذلك فكانت تلك اللحظة تُطبع في ذاكرته؟
أما الآن، فأصبحت الأمور مختلفة تمامًا ووسائل التواصل الاجتماعي سهلت من كل شيء فتحولت تلك النظرة التي تعبر عن الحب إلى لايك يعبر عن الاهتمام والمراقبة، وأصبح من السهل جدًا أن تنشأ علاقات على الإنترنت ولم يعد المحب بحاجة إلى ساعات طويلة ليكتب قصيدة يعبر من خلالها عن حبه بل يمكنه الآن أن يرسل إليها أغنية رومانسية كاعتراف بذلك الحب.
أصبح العشاق أكثر واقعية ويقعون فقط في حب من يلائمهم ويشبههم، اختفى الشوق واللهفة فهم الآن يقضون كل أوقاتهم معًا على مواقع التواصل الاجتماعي ويمكنهم الالتقاء بسهولة أيضًا.
تغيرت حتى طرق التعبير عن الحب فكلمة أحبك الآن يمكن التعبير عنها بإرسال قلب أحمر، وبذلك قد فقد الحب رونقه، فمن المؤكد أن المشقة تدل على عمق الحب فحين يقطع حبيبك مسافة طويلة كي يراكِ ويطربك بقصيدته التي كتبها كاعتراف بحبه لكِ أفضل وأعمق تأثيرًا من كلمة أحبك التي تُقال عبر رسالة على الواتساب.
وهذا التغيير أيضًا أصاب الطرق التي تنتهي بها العلاقات، فقديمًا كانت أعظم قصص الحب تُكَلل بالفقد والنهايات التعيسة، فلم يتزوج قيس من ليلى ورغم ذلك ظل يحبها ويذكرها في شِعره، أما الآن فأصبحت العلاقات تنتهي وتُنسى بمنتهى السهولة بل ونجد كل طرف يدخل في علاقة حب أخرى بمنتهى السهولة أيضًا.
لذا فقد الحب قيمته ورونقه، ربما كان سر جمال الحب في الماضي هو أنه كان أشبه بالتحدي وكانت صعوباته كثيرة ولا تنتهي أما الآن فقد تغير الأمر كثيرًا، ولكن هذا التطور لا يعني الغياب المطلق للحب الحقيقي، بالتأكيد أنه موجود ولو بنسبة بسيطة ولكنه أصبح ذلك النوع من الحب الذي قل أن يعرفه هذا الزمان أو يجود به.