عالم متكامل ومعقد.. كل ما يخص نظام خلية النحل
ياسمين الشيخ
عندما يفكر البعض في النحل فغالبًا ما يفكر في طريقة صُنع العسل، ومما تتكون خلية النحل، فكيف يمكن لهذه الحشرات الصغيرة أن تصنع ما يسمى بخلية النحل التي تعتبر من الكيانات المعقدة للغاية، كما أنها منظمة بشكل لا يصدق، والكثير من العلماء قد تتساءل حول قدرة النحل على إنشاء هذه التحف الهندسية .
يختلف عدد الأفراد في خلية النحل الواحدة اختلافًا كبيرًا بين خلية وأخرى، وحتى في الخلية نفسها على مدار فصول السنة، إذ تحوي الخلية المثالية في الظروف الجيدة (نهايات الربيع أو في فصل الصيف) علي ملكةً واحدة وعدة مئات من الذكور و20-60 ألف نحلة عاملة، كلٌّ منها تقوم بواجب محدد بحسب جنسها وعمرها لصيانة حياة المستعمرة وتحقيق الأهداف الأساسية للخلية (ولجميع أشكال الكائنات الحية بشكل عام) ألا وهي البقاء على قيد الحياة والتكاثر والحفاظ على حياة الجيل الجديد، إضافة إلى ما سبق تحوي الخلية عددًا مختلفًا من البيوض واليرقات والشرانق والتي تنمو لتصبح نحلات بالغة.
تعريف خلية النحل
خلية النحل هي عبارة عن بنية اصطناعية تقوم بإيواء عش النحل، وعادة ما يتم صنع خلية النحل من القش، أو الفخار أو الخشب، وقد يكون هيكل خلية النحل عبارة عن مجموعة معبأة بخلايا ذات شكل سداسي، ويستخدم النحل مادة البروبوليس التي يجمعها من براعم الأشجار، ويستخدم النحل هذه المادة لملء الشقوق، وإغلاق أجزاء في قرص العسل الذي يقوم بصنعه، حيث يضع النحل هذه المادة عند مدخل خلية النحل، لكي يمنع جلب أي ميكروبات ضارة للمستعمرة بأكملها .
آلية العمل والتواصل في خلية النحل
يعتمد بقاء مستعمرة على قيد الحياة بشكل مباشر على وجود الملكة بالدرجة الأولى، وعلى وجود عدد كاف من النحلات العاملات بالدرجة الثانية، ولا تستطيع أي نحلة من الخلية النجاة لوحدها دون وجودها في مجتمع متكامل، تتواصل فيه مع الأخريات بواسطة مكونات كيميائية تدعى الفيرومونات (Pheromones)، أو عن طريق حركات خاصة، أو ما يدعى بـ “رقصات النحل” توزع من خلالها المهام، وتخبر النحلة الأخريات بالأخبار الجديدة.
مما يتكون جسم النحلة
يتكون جسم النحلة -ككل الحشرات- من رأس وصدر وبطن، وتتحرك باستخدام جناحين للطيران، يحوي رأس النحلة 5 أعين، ثلاثة منها على شكل مثلث في قمة الرأس، وعينان مركبتان كبيرتان واحدة في كل جهة، تحوي كل واحدة منهما عدة آلاف من العدسات أو العيون البسيطة، مما يعطي النحلة مجال رؤية واسع في معظم الاتجاهات، ينقسم الأفراد في خلية النحل الواحدة إلى الفئات التالية:
1- ملكة النحل
هي واحدة على الأغلب في كل خلية، إذ عندما تجتمع ملكتان يحدث صدام بينهما ينتهي بطرد واحدة واستفراد أخرى بالسلطة بعدها، وتقع على عاتقها المهمة الأساسية للبقاء ألا وهي التكاثر ووضع البيوض إذ أنها الأنثى الوحيدة الناضجة جنسيًا، وجميع الأفراد في “المملكة” هم من سلالتها، حيث تضع حتى 1500 بيضة يوميًا في الظروف المثالية وخلال الفصول الدافئة من العام.
من السهل تمييز الملكة عن باقي الأفراد، فهي أضخم منهم بشكل ملحوظ -وخاصة في فترة وضع البيوض- ويغطي جناحاها ثلثي جسمها فقط على عكس الذكور والعاملات حيث تصل أجنحتهم إلى النهاية تقريبًا.
عن التكاثر، تقوم ملكة النحل بإفراز الفيرومونات الكيميائية التي تعمل كصمغ يحافظ على النسيج الاجتماعي والتعاون داخل الخلية، ولذلك تفشل الأفراد الباقية في القيام بوظائفها بشكل طبيعي وتتحول المستعمرة إلى خراب عند غياب الملكة.
2- النحلة العاملة
تنتج من تطور بيوض ملقحة وهي إناث غير ناضجة جنسيًا، إذ لا تتمكن من التكاثر ووضع البيض في الظروف الطبيعية، وهي أصغر الأفراد البالغة في خلية النحل وأكثرها عددًا بدون منازع، يقع عليها مجمل الوظائف الحياتية في المستعمرة، فهي تكنس بأجنحتها أرض الخلية لتنظيفها من الأوساخ، تهوي المستعمرة كي لا ترتفع الحرارة لدرجة غير محمولة، تحضر رحيق الأزهار الذي يتحول إلى عسل.
كما تقدم خدمات هائلة للطبيعة بتحركها من زهرة إلى أخرى، فهي تنقل حبات الطلع وتعطي الأزهار النادرة فرصة للتكاثر، تقوم بلدغ الأعداء بواسطة إبرتها الموجودة في نهاية البطن والمتصلة بالجهاز الهضمي وتقدم حياتها دفاعًا عن المستعمرة من خلال ذلك، لأن لدغة واحدة كفيلة بتمزيق أمعاء النحلة العاملة وبقاء الإبرة في الخارج على جسد العدو.
3- العاملات البياضة
عند غياب الملكة عن خلية النحل لسبب أو لآخر، تتطور أجسام بعض العاملات لوضع البيوض غير الملقحة، والتي تعطي في النهاية عاملات أخرى مماثلة لها، ويبدو أن هذا التطور يحدث نتيجة لغياب التأثير الكيميائي الكابح الذي تمارسه الفيرومونات التي تفرزها الملكة، إضافة إلى تأثير وجود البيوض في طور النضج ومنتجات تلك البيوض.
4- ذكور النحل
تنتج من بيوض غير ملقحة ولها دور أساسي هو تلقيح الملكة العذراء ثم تموت مباشرة بعد الإلقاح، يبلغ عددها عدة مئات في الخلية ولكنها لا تتواجد إلا في الصيف وأواخر الربيع على الأغلب، حجم رأس الذكر أكبر من رأس العاملة والملكة، وتلتقي عيناها المركبتان في الأعلى مما يسهل تفريقها من ناحية الشكل إضافة إلى أنها لا تحوي إبرة في نهاية البطن.
لا تقوم ذكور النحل بأي دور في الأعمال اليومية للخلية لكن العلماء يقولون إن وجودها مفيد لسبب ما غير معروف، تحصل على غذائها بشكل كامل من مخزون الخلية ولم يشاهد ذكر نحل يتغذى من الأزهار على الإطلاق، ولأنها أكبر من العاملات وتحتاج إلى غذاء أكثر منها بكثير، يشكل وجود عدد كبير من الذكور عبئًا على المستعمرة، وغالبًا ما يتم طردها بعد الانتهاء من الحاجة لها وحين تحل الفصول الباردة، إلا أن العاملات في المستعمرات غير المحكومة بملكة تبقي على الذكور إلى أجل غير مسمى ولا أحد يعلم السبب.
خلية النحل نظام عمل متكامل ومنظم
وهكذا نرى أن خلية النحل نظام متكامل فريد من نوعه في الطبيعة، ويمكننا وصفه بالأعقد من نوعه في عالم الحشرات، يقوم به كل فرد بوظيفة وتغيب فيه غريزة البقاء الفردية في سبيل الحفاظ على حياة الجماعة، ومن المثبت علميًا أن الحياة على الأرض ستتدهور بشكل دراماتيكي إذا اختفى النحل فجأة، فهو لا يقدم لنا العسل فقط، إنما يقوم بدور أساسي في تلقيح النباتات وله فضل على أشكال الحياة النباتية جميعها.
فلننظر بعين الإعجاب إلى تلك المخلوقات الفريدة، ونفعل كل ما يمكننا القيام به للمحافظة على مواطنها وحمايتها من خطر الانقراض.