بيت السناري مركز للعلوم والفنون والثقافة ومقرًا لعلماء الحملة الفرنسية

يُعد بيت السناري أحد أروع أمثلة العمائر السكنية من دور وقصور الأمراء ورجال الدولة الكبار في العصر العثماني، إن تاريخ وعمارة بيت السناري يأسران كل من يتابعهما فيتشوق لمعرفة المزيد عنهما، وخير وسيلة لاكتشاف هذا الأثر الرائع هو زيارته والتعرف على تفاصيل تاريخه وعمارته.

بيت السناري:

بيت السناري بناه “إبراهيم كتخدا السناري”عام 1209 هـ/1794م، إبراهيم السناري هو سوداني الأصل جاء إلى القاهرة من مدينة دنقلة السودانية، وفي البداية جاء لوجه بحري وعمل بوابًا بمدينة المنصورة ودخل في معية الأغنياء والقادة وتعلم اللغة التركية وقرر بناء  دار له بالناصرية بحي السيدة زينب، وصرف عليها أموالًا وصار له حاشية وجواري وأتباع.
وظل كذلك حتى يوم 17 جمادي الآخرة 1206 هـ حيث ُقتل في الإسكندرية مع غيره من الأمراء، الذين قد طلبهم حسين باشا القبطان العثماني للحضور إليه فلما حضروا قتلهم جميعًا ودُفنوا بالإسكندرية.

  • موقعه:

يقع هذا المنزل في منطقة الناصرية بحي السيدة زينب بالقاهرة في نهاية حارة غير نافذة تعرف حاليًا بحارة “منج”، وتسمى الحارة بهذا الاسم نسبة إلى أحد علماء الحملة الفرنسية الذين أقاموا بهذا المنزل عند إحتلالهم مصر، وهنا يبدأ هذا البيت تاريخ جديد مع الحملة الفرنسية؛ حيث كان”بيت السناري”أحد ثلاثة بيوت تمت مصادرتهم من قِبل الفرنسيين عام 1798 وذلك؛ لتسكين أعضاء لجنة العلوم والفنونِ، التي جاءت ببعثة نابليون العسكرية؛ لعمل دراسة منهجية للبلاد.

بيت السناري مقرًا لعلماء الحملة الفرنسية على مصر:
فكر نابليون بونابرت كثيرًا في إنشاء مجمع علمي بمصر وكان الهدف المُعلن هو العمل على تقدم العلوم في مصر، ودراسة أحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية، وعواملها الطبيعية، فضلًا عن إبداء الرأي حول استشارات قادة الحملة الفرنسية، وهذه الأسباب هي الظاهرة للعيان، أما الهدف الأساسي لذلك هو دراسة مصر دراسة تفصيلية لبحث كيفية استغلالها لصالح المُحتل الفرنسي، وأصدر المجمع العلمي بعد هذه الدراسة كتاب “وصف مصر”.

  • وصفه:

تم بناء هذا المنزل كبيوت الأثرياء حيث يضم معظم سمات عصر المماليك فيحمل هذا المنزل بين جدرانه وأسقفه، جماليات الفن المعماري الزخرفي، مما يجعله تحفة نادرة في شكل بيت أثري، كما أنه نموذج مُكتمل التكـوين، بدليل مـا يظهر فـي عمارته الفريدة بوجود المشربيات الرائعة التــي تطل بواجـهتها على الشــارع الرئيسي، فـي حـين تتوسط فناء البيت من الداخل نافورة متميزة، وهناك قاعة للحريم والتي تمتد من ناحية الشارع في المقدمة إلى المقعد في الخلف، وملقف هواء يواجه القاعة من الناحية الشمالية؛ لتقليل الإحساس بدرجة الحرارة أثناء الصيف، وفي واجهة البيت كَانت هناك حديقةَ واسعة، وما يميز هذه الدار الأثرية عــن بقية الـبيوت الأخرى ذات العمــارة الإسلامية ، استخــدام الخشب في بنائها إلى جوار الحجر، مـن دون أي مواد مُساندة، وهذا مـا يجعلها نموذجًا للبناء الســـائد في تلك الفترة، ويوجد هنــاك أيضًا ملقف هواء في الناحية اليمنى من البيت، وهي الفتحة الموجودة بالسقف لإدخال هواء رطـب، وبالتالي جعل جو الدار مقبولًا أثناء النهار وقت ارتفاع حرارة الجو.

ترميم بيت السناري:

أثر زلزال 1992 كثيرًا على حال البيت وهو ما جعل المجلس الأعلى للآثار بالتعاون مع البعثة الفرنسية بالقيام بأعمال ترميم المنزل عام 1996 . وتم خلالها ترميم المنزل على عدة مراحل بدأت بمشروع لخفض منسوب المياه الجوفية، ارتبط بالشبكة الرئيسية للصرف الصحي بالقاهرة، تبعه اختيار حرفيين ممن لديهم خبرة للعمل في ترميمه المعماري؛ حيث تم خفض مستوى الشــارع المجــاور للمنزل؛ لإعــادته إلى نفس المستوى الذي كان عليه فـي القرن المــاضي، وهو ما أتاح ظهور المدخل الرئيسي كاملًا لأول مرة، كما تم ترميم قاعات المنزل والمشربيــات والدواليب الحائطية، وتمت هذه الأعمــال بواسـطـة فريق عمل مصري فرنسي، ولم تتوقف عمليات الترميم على إعادة رونق وجمال المنزل فحسب، بل قام الفريق بإضافة مصابيح للإضاءة جميع الغرف.

بيت السناري الآن:

أصدرت وزارة الثقافة المصرية قرارًا بتسليم منزل السناري لمكتبة الإسكندرية وقامت مكتبة الإسكندرية بتجهيز “بيت السناري” ليكون مركزًا ثقافيًا كبيرًا وبيتًا للعلوم والثقافة والفنون، ويهدف هذا المشروع إلى إحياء المجمع العلمي المصري القديم الذي أسسه نابليون بونابرت في هذا المنزل، حيث أنجز فيه مائتي عالم فرنسي موسوعة “وصف مصر” الشهيرة، والتي أهديت لمكتبة الإسكندرية نسختها الأصلية.

وجدير بالذكر أن المنزل يشهد حاليًا بعد أن تحول إلى مركزًا للإبداع، نشاط مُتنوع ومثمر للشباب مثل صالون الشباب الأدبي، هذا بخلاف إقامة العديد من المعارض الفنية والحفلات الموسيقية والغنائية، كما تضم أنشطة البيت “دورات تدريبية في الخط العربي القديم واللغة القبطية والخط الهيروغليفي، ويُعقد به أيضًا حلقات نقاشية علمية حول “مستقبل العلوم والمعرفة”.

 

اضف تعليق