سلبيات هوَس التفوق الدراسي ونتائجه
مع بداية كل عام دراسي تبدأ سلسلة من الوعود بالتفوق والعزم على تحقيق أعلى الدرجات مع الوصول لأعلى المراتب في أخر كل عام لما في ذلك من نجاح مستقبلي وما فيه أيضًا من إرضاء للأهالي الحالمين بنجاح أبنائهم بالشكل المضمون والمُتعارف عليه، ولكن هل حقًا التفوق الدراسي يُعد تفوقًا في الحياة بشكلٍ عام أم هو فقط شكل من أشكال التفوق؟ وهل يستحق كل ما يصاحبه من سلبيات؟
سلبيات هوس التفوق الدراسي
١. النضوب النفسي (Burnout):
تُعد مرحلة النضوب أو الاستنفاد النفسي مرحلة تصاحب أي طالب قرر العزوف عن أي نوع من الهوايات أو المُرفِهات في الحياة وذلك لتفريغ وقت كافي للدراسة، هذه الفترة يشعر فيها الطالب بالتثاقل بوجهٍ عام وقد يشعر بملل شديد تجاه واجبه الدراسي، ليس تسويفًا منه أو (دلع) كما يسميه البعض، ولكن تعبًا وإرهاقًا من كمية الأعباء الواقعة عليه وفقدانًا للشغف تجاه ما كان قادرًا على عمله من قبل، وتؤدي هذه الحالة إلى نتائج عكسية بحتة وقد تصل هذه الحالة في بعض الأحيان إلى العزوف التام عن المذاكرة والدراسة بوجه عام.
٢. عدم فهم الشخص لنفسه ورغباته:
هذه سلبية موجودة عادةً في الطلاب الذين أُجبروا منذ الصغر على التفوق الدراسي دونًا عن أي شكل أخر للتفوق، فهذا الطالب قد لا يدرس لأنه يحب الدراسة بل لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع فعله جيدًا، هذه السلبية عادةً ما تظهر في مراحل متأخرة من الحياة الدراسية وقد تظهر بعدها، عندما يُدرك هذا الشخص أنه لا يعرف فيما يجب أن يتخصص أو إذا كان حقًا يحب ما يعمل.
٣. الضغط النفسي والعصبي:
هناك العديد من الطلاب الذين يشعرون بالاستنزاف النفسي الشديد أثناء الدراسة والذي يكون غالبًا مصدره الأهالي، فعلى الرغم من أن الأهالي لا يريدون سوى نجاح أبنائهم إلا أنهم لا يدركون كم الأذى النفسي والضغط الواقع على أبنائهم وكم التوتر المصاحب لكل إمتحان وألم الشعور بالفشل والإحباط إذا ما كانت النتيجة مُرضية، هذا الضغط قد يختلف تأثيره من شخص لأخر، فمنهم من ينتهي به الحال إلى أول أو ثاني السلبيات المذكورة وهما النضوب النفسي أو المُضي قَدَمًا دون إدراك إذا كان هذا هو التفوق الذي يرجونه في الحياة أم لا، ولكن في بعض الأحيان قد تكون نتائج هذا الضغط أكبر من ذلك بكثير، فقد يتجه بعض الأشخاص للانتحار مثلًا؛ خوفًا من النتيجة أو تهرُبًا مما عليهم من ضغط وأذى شديدين.
من كل هذه السلبيات نستنتج أن هوس التفوق الدراسي قد يعود احيانًا على الطالب بالضرر أكثر من النفع.
التفوق بشكلٍ عام
إن أي تفوق أو نجاح في الحياة يتطلب مجهود وتحمُّل لما فيه من صعوبة، لذا على الفرد أن يقرر أي نوع من الضغط يستطيع أن يتحمل وما هو النجاح الذي في سبيله سيتحمل كل الصعوبات المحتومة حتى يكون هذا التفوق مدفوعًا برغبة الفرد نفسه ويكون عاملًا بنَّاءً للشخص وليس مستنزِفًا لقدراته التي قد تكون مؤهلة لنوع آخر من النجاح والتفوق.
ولكن هل هذه تُعد بمثابة دعوة لترك الدراسة مثلًا أو ترك الرغبة في التفوق الدراسي؟ بالطبع لا، ولكن هي دعوة للتفكر والإنصات للنفس واستكشاف المواهب والرغبات الحقيقية التي تستحق عناء النجاح بالنسبة لهذا الشخص وليس لغيره، فقدرة شخص ما على التفوق الدراسي لا يعني بالضرورة قدرة شخص أخر عليه ولا يعني أن الأخير لا يستطيع أن ينجح بطريقة أخرى وفي نفس الوقت لا يعني أن الأول مُسير في طريقه ولم يختار.
وفي النهاية سنجد جميعًا أن التفوق الدراسي ما هو إلا نوع من أنواع التفوق في الحياة لا غير وأن قُدرات الإنسان ومواهبه قد لا تكون في هذا الإتجاه وليست مؤهلة لهذا النوع من التعب والضغط بل خلقت لتفوقٍ آخر ونجاح آخر، وأيًا كان نوع النجاح الذي يريده أي شخص، فعليه التحلي بمهارة الموازنة بين المجال الذي قرر التفوق فيه وجوانب الحياة الأخرى التي خُلقت لنستمتع بها ولتكون لنا عونًا في أوقات الضغوطات الصعبة.